مفهوم نظريات الترجمة
النظريّة بشكل عام هي طريقة من طرق التفسير لأمرٍ ما أو لمعتقد ما فهي تشرح كيفيّة الحدوث وقد تتعرّض إلى انتقادات كثيرة وقد تظهر أيضًا نظريات أخرى تتعارض فحتى إن كانت منطقيّة ومتماسكة ومبرهنة، دائمًا ما تظهر نظريّات أخرى للمواضيع نفسها معارضة كانت أم لا.
لكي يتأكّد المرء من صحّة نظريّة ما، تتقدّم تنبّؤات متعلّقة بظواهر قد تكون غير مثبّتة ومن ثمّ تثبت صحّتها فغالبًا ما يكون معنى كلمة "نظريّة" هو "رأي" أو حتّى "فرضيّة".
أمّا في مجال الترجمة، فمن غير المرجّح أن تكون النظريات مبنيّةً على حقائق فتكون هذه النظريّات مبنيّةً على آراء وخبرات ناتجة عن سنين طويلة من الترجمة
تعتبَر النظريات تفسيرًا للأحداث وتنبّؤًا بها ولها تعاريفًا كثيرة مثل أنّها مجموعة من المعتقدات أو مجموعة من الفروض التي يمكن للأشخاص أن يستخلصوا منها الكثير من المبادئ ومن القوانين.
نظريات الترجمة هي كثيرة ومتعارضة جدًّا فقد يجد الأشخاص نظريات تدعم الترجمة الحرفية بشكل كبير على سبيل المثال وتجد غيرها تدعم الترجمة التي لا تتبع كلمات النصّ بل تنقل المعاني من دون الالتزام بحرفيّة النصّ المصدر.
تساعد نظريات الترجمة المترجمين على اعتماد طريقة معيّنة للترجمة وهذا من خلال تقديم الكثير من المفاهيم ومن الخبرات التي عاشها المترجمون منذ القدم فحتى لو كانت متعارضة، هي تقدّم أسبابها ما يساهم في إقناع المترجمين وهذا هو سبب وجود الطرق العديدة المعتمدة في الترجمة والتقنيات المختلفة التي يشهد عليها الجميع فلا يمكن وجود ترجمات مشابهة وهذا بسبب اعتماد المترجمون التقنيّات المختلفة والنظريات العديدة التي قد تكون متعارضة في الكثير من الأحيان ومن الجدير بالذّكر أنّ عدد النظريات في الترجمة ليس بقليل.
اقرأ أيضًا: أنواع الترجمة شروطها وأبرز المشاكل الشائعة عند الترجمة للعربية
اهم نظريات الترجمة
لطالما انوجدت نظريّات كثيرة في الترجمة ولطالما كانت متعارضة إنّما لا شكّ في أنّها لعبت دورًا أساسيًّا في وجود التقنيات الكثيرة في الترجمة وفي اختلاف الترجمات للنصّ الواحد أيضًا فيمكن لنصّ واحد أن يترجم بكثير من الطرق حيث يمكن للمترجمين استخدام تقنيّات متعدّدة فيجد القرّاء ترجمة حرفيّة وأخرى طبيعيّة للنصّ المصدر الواحد.
من الجدير بالذكر أنّ نظريات الترجمة المختلفة تدَرَّس في الجامعات وفي معاهد الترجمة المتخصّصة إنّما ليس بطريقة تؤيّد نظريّة وترفض نظريّة أخرى، بل بطريقة تقدّم للطلّاب النظريات كلّها وتجعلهم يعتمدون آراءهم ويستخدمون النظريّة التي تشبههم والتي يؤيّدونها كما ويمكنهم اعتماد النظريات المختلفة حسب المجالات المختلفة للترجمة فعلى سبيل المثال يجوز التغيير في النظريات بين المجال الأدبيّ وبين المجال الطبيّ أو غيرها من المجالات.
اقرأ أيضًا: الترجمة وتحدياتها وأبرز الحلول للتغلب عليها
من أهمّ نظريّات الترجمة، ثمّة:
نظرية سكوبوس أو النظرية الغائية
تعتبر نظرية سكوبوس أو نظرية الهدف من الترجمة النظرية (النظرية الغائية) من أهمّ وأبرز نظريات الترجمة وتدرَّس بشكل كبير في الجامعات وفي المعاهد إذ هي تعتبر أنّ الترجمة الصحيحة هي التي لا تتبع الكلمات بشكل حرفيّ للنصّ المصدر بل يمكن للنصً المصدر الواحد أن تكون له الكثير من الترجمات وهذا يختلف حسب هدف الكتّاب وحسب جمهور النصّ الهدف. معنى كلمة "سكوبوس" هو الغرض أو الهدف وكان هانز فيرمير أوّل من استخدمها وعمد إلى إضافتها إلى مجال الترجمة.
تفسّر نظرية سكوبوس عن أهميّة أن يكون المترجمون على دراية بغرض الترجمة والجمهور الهدف أثناء الترجمة إذ تعتبر أنّ هذه هي أهمّ العوامل أثناء الترجمة ومن غير الجيّد اعتماد الترجمة كلمة بكلمة للنصوص من دون الأخذ بعين الاعتبار الجمهور الهدف.
تمكّن هذه النظرية المترجمين من الترجمة بطريقة تضع النصّ المصدر من من جهة والنصّ الهدف من جهة فيحترم المترجمون النصّ المصدر من دقّة وصحّة معلومات إنّما التقنيّأت المستخدمة قد تكون مختلفة وعلى المترجمين إبقاء الجمهور الهدف في ذهنهم فيعتبَر قرّاء النص الهدف من أحد أهمّ الأركان وعلى المترجمين أخذ الثقافات المختلفة بعين الاعتبار فيجب أن تكون الترجمة مناسبة لقرّاء النصّ الهدف دائمًا.
اقرأ أيضًا: ما هي لغة اسبرانتو وهل ستصبح اللغة العالمية الرسمية قريباً؟
نظرية اللّعبة
اعتبر أصحاب هذه النظرية أنّ الترجمة هي مكوّنة من إجراءات معيّنة وكأنّها لعبة يلعبها شخصين بين بعضهما حيث يهدف كلّ لاعب إلى الفوز بناءً على التصرّف العقلانيّ إذ يرغب كلّ من اللّاعبين إلى الوصول إلى الهدف بأقلّ مجهود ممكن. الهدف من هذه النظرية هي اختيار البدائل أثناء الترجمة وانتقاء البدائل الأمثل والتي يعتبرها المترجمون مناسبة.
نظرية المستوى الدلالي للسياق والخطاب
تظهر هذه النظرية طريقة التأثير وطريقة التأثّر بين عناصر الخطاب التي تبنى على المكوّنات اللّغويّة والتراكيب وعلى السياق الثقافي والسياق الاجتماعي لهذا الخطاب. ثمّة ارتباط وثيق للعلاقة بين السياق الثقافي والسياق الاجتماعي وبين النصّ الذي عليه أن يتَرجَم.
نظرية النظام المتعدّد
يعتبر أصحاب هذه النظرية أنّه لا يمكن للترجمة الأدبيّة تحديدًا أن تنعزل عن النظام الأدبيّ الذي هو منظومة مهام تربطها العلاقات المتواصلة مع جميع الأنظمة الأخرى وهذا يعني أنّ الأدب الذي يترجَم هو جزء من الأدب والتاريخ والثقافة المتعلّقة بلغة الهدف فيؤكّد أحد العلماء هذه النظرية ويقول إنّ الترجمة الادبية تتّبع الاستراتيجيّة التي يُختار فيها النصّ المصدر وتتّبع الطرق التي يمكن أن تتأثّر فيها قوانين الترجمة واستراتيجيّاتها وشروطها بالأنظمة الأخرى.
نظريات الترجمة الحديثة
تطوّرت نظريات الترجمة المعاصرة والحديثة خصوصًا من بعد التقدّم الكبير الذي أحرزته الترجمة على الصعيد التقنيّ وتطوير الأدوات فشهد الجميع تطوّرًا في الترجمة من بعد الإنترنت والترجمة الآلية وجميع التطوّرات الإلكترونيّة، فرغم وجود النظريات القديمة، تطوّرت النظريات المعاصرة وتلخّصت في العديد من النقاط وهي:
- ترجمة بمرونة أكثر ونقل المعاني بطريقة أوضح.
- نقل النصوص من اللّغة المصدر إلى اللّغة الهدف بأساليب متعدّدة منها الأساليب التفاعليّة بطريقة تراعي الاختلافات الثقافية كلّها.
- التركيز على جوهر النصّ وترجمة المغزى ومعنى النصّ بعناصره الدلاليّة وعناصره الاصطلاحيّة.
- ظهور تخصّصات إضافيّة في الترجمة وتطوّر وسائل الترجمة.
- استخدام الإنترنت والوسائل الحديثة لترجمة سريعة ودقيقة.
- توطين المحتويات بشكل يتناسب مع جمهور اللّغة الهدف.
- الابتعاد عن الترجمة الحرفيّة قدر المستطاع وعدم استخدامها إلّا في الحالات المعيّنة والنصوص المناسبة.
- الترجمة على مستوى العبارة وعلى مستوى الأفكار إضافةً إلى التأويلات الدلاليّة.
اقرأ أيضًا: كل ما تريد معرفته عن الترجمة التقنية: صعوباتها، أنواعها، كيفيتها، وصفات المترجم التقني
نظريات الترجمة الادبية
للترجمة الادبية نظريات متعدّدة وآراءً كثيرة تساعد المترجمين على الترجمة، منها:
نظرية الترجمة الكولونيالية الحديثة
يتّفق علماء هذه النظرية على مبدأ أنّ ترجمة الإنتاج الأدبيّ في العالم الثالث إلى الإنجليزيّة ويتسبّب بغياب التكافؤ بين اللّغتين والطرفين والثقافتين ويمكن حتى أن يؤدّي هذا إلى تشويه، فمن الضروريّ أن تؤخَذ الثقافات المختلفة بعين الاعتبار وأن تراعي الترجمة جميع الاختلافات الأدبيّة والثقافيّة والفروق الإيديولوجيّة بين بلدان الشرق وبلدان الغرب. الجدير بالذكر أنّ نقل الأدب من الطرف الأضعف إلى الطرف الذي يكون أكثر قوّة قد يؤدّي إلى غياب التوازن وقد يغيّر خصائص أدب الطرف الذي يكون أضعف.
نظرية النظام المتعدّد في الترجمة
يكوّن النظام الأدبيّ منظومة الكثير من المهام تربطها علاقات مع الأنظمة الأخرى إذ الترجمة الادبية ليست معزولة عن هذا النظام أبدًا فالترجمة الادبية هي جزء من منظومة التاريخ والثقافة والأدب في اللّغة الهدف وتتبع الترجمة الادبية الطرق التي تتأثّر فيها شروط الترجمة وقوانينها وحتى استراتيجيّاتها بالأنظمة الأخرى.
نظرية إيفين زوهار المتعدّدة الأنساق
تعتبر هذه النظريّة أنّ الأدب والفنّ معطيَين من معطيات الحضارة ويعود مصدرهما إلى الإثنيّة وإلى التاريخ في آن معًا وليسا مبنيَّين على المطلقات فلا تقتصر النصوص على تجميع للكلمات وحسب بل هي حصيلة لنسيج ثقافيّ طويل ولإرث له بصماته الخاصّة.
كما ويقول جيرار جنيت إنّ المترجم الأدبيّ دائمًا ما يغيّر في النصّ الهدف ما دام ثمّة خرق للحرفيّة في الترجمة الادبية فمن المستحيل أن تكون هناك علاقة تطابق بين النصّ المصدر والنصّ الهدف بطريقة كافية، الأمر الذي يبرهن وجود متغيّرات وثوابت في آنٍ معًا في الترجمة الادبية.
اقرأ أيضًا: تعلم الترجمة من مستوى الصفر حتى الاحتراف
نظريات الترجمة الشفوية
تنوّعت التخصّصات في الترجمة بحسب الترجمة الحديثة التي أصبحت تشمل أحد أهمّ أنواع الترجمة وهي الترجمة الشفويّة أو الترجمة الفورية التي تعني الترجمة للمحتويات المنطوقة أو للنصوص المكتوبة إنّما شفويًّا وثمّة العديد من أنواع الترجمة الشفوية منها الترجمة التتبعيّة والترجمة المتزامنة والترجمة البصريّة والترجمة الهمسيّة والترجمة الهاتفيّة وغيرها.
تفتقر الترجمة الشفوية إلى النظريّات فلا تملك نظريّات متعدّدة مثل الترجمة المكتوبة، إنّما، يمكن لنظريات الترجمة المكتوبة أن تنطبق بشكل كبير على الترجمة الشفوية، فيمكن لنظرية سكوبوس أو النظرية الغائية على سبيل المثال أن تنطبق على الترجمة الشفوية أو الترجمة الفورية من حيث أخذ بعين الاعتبار الجمهور الهدف وهدف المحتوى بشكل عام وترجمة المعنى وعدم الترجمة بطريقة حرفيّة جدًّا إنّما على المترجمين الشفويّين أن يأخذوا بعين الاعتبار الثقافة الهدف وتأثير المحتوى على القرّاء وهدف الكتّاب وغيرها من العوامل المهمّة جدًّا والتي تلعب دورًا مهمًّأ في الترجمة الشفوية أو الترجمة الفورية.
اقرأ أيضًا: الترجمة الفورية: أنواعها وتقنياتها وصعوباتها وكيفية احترافها
يرغِم هذا المترجمين على التحضير جيّدًا قبل الخوض بهذه المهمّة التي يعتبرها الكثير صعبة ومعقّدة جدًّا وهذا من خلال معرفة الثقافة الهدف والجمهور الهدف وإجراء بحوث بشكل كافٍ عن كلّ ما قد يحتاجونه ويساعدهم على الترجمة بشكل صحيح.
كما ويظنّ البعض الآخر أنّ على الترجمة الشفوية أو الترجمة الفورية أن تكون حرفيّة بهدف أن تكون الترجمة وفيّة ودقيقة وكيلا يقع المترجمون الشفويّون في أخطاء جسيمة فلا مجال للتردّد في الترجمة الشفوية ولا يمكن للمترجمين التمعّن بالتفكير فعليهم أن يكونوا سريعين وأن تكون الترجمة دقيقة وصحيحة في الوقت عينه، ولهذا السبب، يعتبر الكثير أنّ الترجمة الحرفيّة هي الطريقة الأمثل التي تضمن نتائجًا جيّدة وترجمة دقيقة وصحيحة فلا يأخذ المترجمون وقتًا إضافيًّا للتفكير العميق ولتحليل المعاني بل تكون الترجمة كلمة بكلمة ما يقلّل من احتماليّة اقتراف أخطاء كبيرة كانن أم صغيرة.
كذلك، تختلف الآراء والنظريات في الترجمة الشفوية مثل غيرها من أنواع الترجمة ويبقى للمترجمين الشفويّين القرار فهم يقرّرون الطريقة الأنسب لهم فتُعرَف الترجمة الشفوية بكونها أصعب من غيرها من الترجمات ولا يمكن لأيّ كان تأدية هذه الترجمة بنجاح فتتطلّب خبرة وسرعة وقدرة عالية على التحليل وإيجاد الحلول بسرعة فائقة.
اطّلع على خدمات الترجمة التي تقدمها شركة ليدرز!
نظريات الترجمة وتطبيقاتها
تدرِّس الجامعات المرموقة والمعاهد المتخصّصة بالترجمة عن نظريات الترجمة المختلفة وتطبيقاتها وهذا بالإضافة إلى التطبيق المباشر للترجمة من دون هذه النظريات فيدرس الطلّاب عن النظريات المتعدّدة والمتناقضة منذ القدم حتى أيّامنا هذه وهذا لكي يعرفوا التطوّرات والأساليب والتقنيّات الكثيرة المعتمدة أثناء الترجمة ويمكنهم من بعدها أن يختاروا النظريات التي تناسبهم والتي تناسب أسلوبهم في الكتابة واستخدامها.
يعرف مجال الترجمة بعدم وجود ترجمة واحدة صحيحة ومعتمدة فيمكن أن يتَرجَم النصّ المصدر الواحد بكثير من الطرق ويمكن للمترجمين التنويع بين التقنيّات المختلفة في الترجمة وحتّى في اعتماد النظريات فيمكن للمجالات أن تختلف من حيث تقنيّاتها ونظريّاتها فلا يجوز استخدام تقنيّة واحد للترجمة الادبية وللترجمة الطبيّة على سبيل المثال، بل على المترجمين التفرقة بين الأنواع المختلفة ومعرفة أيّ نظريّة تطَبَّق وفي أيّ مجال، فقد تجوز الترجمة الحرفيّة في المجال الطبيّ إنّما قد لا تكون مناسبة في الترجمة الادبية.
يمكن لنظرية سكوبوس أو النظرية الغائية أن تُطَبَّق في المجال الادبي على سبيل المثال، فيمكن للمترجمين أن يبتعدوا عن الترجمة الحرفية وأن يأخذوا بعين الاعتبار الفروقات الثقافية والاختلافات وهدف الكتّاب والقرّاء الهدف والكثير غيرها من العوامل، في حين أنّ الترجمة الحرفيّة قد تكون مناسبة لبعض المحتويات الطبيّة مثل التقارير الطبيّة أو الاستشارات الطبيّة أو الوصفات الطبيّة.
تختلف الترجمة التقنيّة أيضًا عن الترجمة الادبية بشكل كبير فتجوز الترجمة الحرفيّة للمحتويات التقنيّة أيضًا، الأمر الذي لا يجوز في معظم نصوص الترجمة الادبية ومحتوياتها.
تتشابه طرق الترجمة الادبية وطرق الترجمات الأخرى المماثلة مثل الترجمة الصحافية على سبيل المثال فيمكن للمترجمون اعتماد نظرية سكوبوس أو النظرية الغائية وتطبيقها في هذه الأنواع من الترجمة حيث تكون الترجمة مبنيّة على جمهور النصّ الهدف وعلى أهداف الكتّاب والنصّ المصدر.
احصل على خدمة الترجمة التقنية التي تقدمها شركة ليدرز